12‏/02‏/2015



كأس الغفلة
...................
كان العقل جالسا على كرسى هزاز فى شرفة الرأس ...يحتسى كوبا من الغفلة بينما اللسان يتلو آيات المصحف الشريف من ورده اليومى ....فاذا بالعمر مارا فى عجلة ...تحت الشرفة .....فلما انتبه العقل له ...نهض فزعا مناديا له أن يتوقف فلم يجبه ....فرجاه أن يتمهل فلم يقبل ....ومضى حتى دون التفات له ..... عاد العقل يستلقى على كرسيه ليكمل احتساء كوبه لكن ما ان سكب الشراب على لسانه حتى مجه مجا... فقد تغير طعمه وصار مرا علقم
..... تفكر فى حاله لأول مرة ....لماذا استهانت به الحياة وطردته الى هامشها ؟... لماذا أذاقته المر وأسقت غيره العسل ؟..... لماذا وقع فى فخ اليأس مرة والخيبة مرات؟ لماذا لم يلق كريما يفض عليه من العطاء ألوان وأشكال ... سوى العذاب ؟
..لقد كان تقيا كما يعتقد فى نفسه !!!!!....وله من القرآن وردا يقرأه كل يوم ويكثف القراءة فى رمضان ....والقرآن كما يعرف ....يشفى الصدر ويجلى البصيرة ويصلح الدنيا والآخرة .... لكن حاله فى الدنيا لم ينصلح فمن يضمن له صلاح الآخرة اذن ؟
فلأكف عن طرح الأسئلة كالأبله .لأنني أعرف إجابتها وأعترف: أنا أحمق
نعم أحمق ..... لقد جنيت على صاحبي الذي احتملني فى رأسه أربعون سنة ....فلم أكُن له بالصاحب المخلص ولا بالناصح الأمين .....لقد قرأت وما قرأت وعلمت وما علمت ....
القراءة : تفقه وتفكر وتمعن ...فهل فعلت؟ ...لا لم افعل . لِمَ ؟ لاننى لم أكلف نفسى عناء البحث عن العلم عند العلماء .. لم يكن مطلوبا منى كما كان يفعل السابقون شد الرحال وخوض المفاوز لأصل الى بلدانهم واسمع منهم ....لكنهم كانوا يسكنون الكتب ....كتب التفسير كتب الفقه كتب السيرة كتب العلوم كتب التاريخ كتب الجغرافيا كتب الأدب ....الخ ...كل كتاب كان به عالم ينتظرنى لكى اسمع له واتعلم وأعرف منه حلو الحياة ومرها وقشرتها ولبها .....لكننى ظننت ان بقراءة القرآن أكن فى غنى عن غيره من الكتب ...لكنى لم أعِى أن الله يأمرنا بالسير فى الأرض والسياحة فى الكون وتتبع قصص من مضوا كيف عاشوا وماتوا وما شكل النهايات ولماذا كانت كذلك .... فالكتب كانت سياحة فى الكون وتدبر فى آيات الله و تجارب حياتية ومعرفية كانت ستنصب فى النهاية فى نهر إيمانى فتحول دون جفافه ....
لو كنت فعلت لعدت لقراءة القرآن بعين أحد وسمع أشف وقلب أرق وعقل أبصر
( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . إنما يتذكر أولو الألباب ) (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ..)
لا تسخط علي يا صاحب الرأس....ولا تقل لى : بئس ساكن الرأس كنت .... وقد أدركت خطأى واعترفت بذنبى فى حقك متأخرا بعد أن مر عمرك مسرعا أمامى و أنا لاه فى شرفتي احتسى كأس الغفلة.... ( لأنك أنت من ملأته لى بيدك )

ليست هناك تعليقات: