30‏/10‏/2011

عصفورة فى زى الصقور

ريشها الاصفر الذهبى ومنقارها الاحمر الوردى وصوتها الشجى يهز اوتار الكون الناعس فى دجاه فيصحو على غنائها يطرب فتجرى الحانه من ارضه وسمائه لتغمر قلبها الصغير تروى زهره الحب فيه فتكبر..ولكن للجمال صفوة الذى يكدر.انها عيون تلمع بالقبح تعلن عن وجوده يتربص
كلماغنت او حلقت فى السماء ارسل صقوره خلفها تحاول صيدها فماذا تفعل ؟
أوت الى عشها وظلت فيه تفكر.....................
كيف لها ان تغنى الان وصوتها عن مكانها يفصح ؟

الفتها صاحبتها حزينه سالتها ما بها ؟... فلما علمت بحيرتها قالت:
حبيبتى اذا خرجت من العش فارتدى ريش الصقور وضعى مخالبهم فتامنى شرهم حين تبدين مثلهم فى المظهر، واذا أويت لعشك أنزعى ثوب الجوارح واطلقى صوتك بالغناء يصدح


ابتسمت العصفوره وقالت الفكرة جميله وانها لحيله...فى عشها عصفوره وخارجه صقر جامح
عاشت حياه الصقور غنت نشيدهم، اكلت طعامهم، قلدت اصواتهم وصارت مثلهم تفكر
ويوما كمثل كل يوم عادت لعشها تبدل ريشها وتحرر صوتها لكن..................
كان الريش التصق بجسدها ورفض ان ينزع
حاولت الصراخ ولكن صوتها ايضا لم يخرج

22‏/10‏/2011

الحاج عاطف



لم اعلم ان الشمس والقمر بعد خصام طويل قد اتفقا على التلاقى فى وجه انسان حمل اشراقه الشمس فى بذوغها ونور القمر فى ضيه
انه وجه الحاج عاطف الذى يتحدث عنه  جميع الحجاج العائدون الى وطنهم بعد اداء الفريضه المباركه

 كان وجهه انعكاس للروح الطيبه التى تسكن جسد الشاب ذو الثلاثين ربيعا ،  يتحرك ذهابا وايابا لخدمه الحجيج وقضاء حوائجهم حتى لينطفئ جسده هزالا من فرط جهده ويتقد وجهه نورا من جذوة التقوى الرابضه بقلبه.
كل واحد من الحجيج يكاد يجزم بان الحاج عاطف يوليه عنايه خاصه وعندما اجتمعوا على متن سفينه العوده قص الواحد للاخر موقفا او معروفا اسداه الحاج عاطف له. حتى تعجب الجميع كيف اتسع وقته وجهده وهو يؤدى المناسك  محرما مثلهم.. لخدمه كل هذا العدد من الحجيج ثم ختمنا الحديث بالدعاء له بالصحه وطول العمر

 مرة رأيته يحمل قطعا من القماش اشتراها من الحوانيت  حول الحرم المكى  وقال لى مداعبا ايه رايك  فيها.. تشترى؟ .... ضحكت قائله: زوقها قديم اوى....قال دى عشان امى فى البلد فقلت له اوعى تنسى المدام لحسن تزعل منك.. فرد ضاحكا وانا اقدر.... طبعا عامل حسابها هى واحمد وحسين اولادى فلذات اكبادى...ثم سالنى ما تعرفيش كارت التليفون استعمله ازاى ؟ اخذت الكارت منه وادخلته فى المكان المخصص فى الهاتف ووقفت خلفه ارشده لباقى الخطوات  وصل رذاذ الحديث الى اذنى فسمعته يتحدث ال اهله بود وحنين  يسال عن اولاده ويخبر زوجته باشتياقه اليها.. قلت فى سرى : نعم خيركم...خيركم لاهله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

انتهت المناسك وعاد كل منا لبلده وتفرقت بنا السبل واحتفظنا بارقام التليفونات للتواصل بعد العودة وكان هاتفنا يرن فى كل مناسبه للاعياد آتيا بصوت الحاج عاطف يهنئنا بالعيد

كانت صوره الحاج عاطف فى اعماقنا يران عليها  فى الذاكره بتراكم الصور فوقها ولكنها تظل موجوده
 وعند كل عيد... تطفو الصوره من جديد على السطح لنمسك سماعه الهاتف  ونحدثه ونطمأن على احواله
 ويوما طلبنا الرقم فجاء صوت زوجته فهنئناها بالعيد ثم سالنا عنه فاجابت: تعيشوا انتم ، ابت الاذن ان تصدق الجمله فواصلنا الحديث وكاننا لم نسمعها...لعله على خير قالت مكررة الجمله اللعينه:  تعيشوا انتم.. تماسكنا حتى اخرجنا من فمنا عبارات التعازى والمواساه ثم اغلقنا الهاتف  دون ان نعرف كيف حدثت الوفاه ......لنفتح باب اعيننا للدموع التى احتشدت خلفه لتخرج ونفتح المجال لقلوبنا ان تتوجع ولخيالنا ان يتصور... ان وفاته لم تكن عاديه بل كانت عملا بطوليا يليق بمرؤته فالشاب كان  امين شرطه بالداخليه وكان موفد ضمن بعثه الحج للقيام على شئون الحجيج وقد قام بمهمته معنا واخلص واجاد...وقياسا على ما عرفنا عنه فهو بطل ايضا فى كل ميدان يتواجد فيه وبعد ان كانت الذاكره تغوص وتطفو  بوجهه  اصبحت صورته معلقه على جدار قلوبنا ندعو لها عقب كل صلاه بان يجعل صاحبها فى اعلى الجنان .

19‏/10‏/2011

استغاثة من زمن الفن

ذهبت حركه السياره المسرعه  بكثير من متعه المشاهده لتلك البيوت المتراصه فى  حى بولاق ابو العلا يفوح منها عبير الماضى المعتق من زمن كان الجمال فيه نبض حى فى العماره. وكأن الفن يسرى فى شرايين الجماد  فتدب الروح فيها فتقص علينا كيف عاش ومات اهل الديار وما كانت عاداتهم وافراحهم واحزانهم


....أتامل هذى الشرفات التى انهارت اجزاء منها واتخيل اهل هذا البيت وهم يجلسون فيها ليلا يتسامرون ويتحدثون و يلفهم الهواء المنعش يحمل نسائم ارسلها لهم جارهم النيل ونفحات مسجد السلطان ابو العلا تضفى على المكان سكينه وهدوء...كيف صار البيت مهجورا الان غير قادر على الوقوف فى وجه جريان الزمن، استندت حوائطه على بيت يجاوره ويبدو ان كلا هما يشد من ازر الاخر لكى يواصل الحياه
 ظللت اتفحصها قدر ما سمحت لى به حركه السياره وكان شيئا ما يجذبنى نحوها ويشعرنى انى انتمى اليها بوجدانى وان هذا  زمنى الذى اضعته بالوثب الى الزمن الذى يليه.... لم انتبه من تاملاتى الا على صوت الرجل الجالس فى السياره بجوارى وقد لاحظ  عينى المعلقه بتلك البيوت الايله للسقوط تصرخ انقذوا انفسكم فسقوطنا يعنى سقوطكم انتم فى هوه التغريب....تحول وجهى نحو الصوت وجدته لرجل اشيب يقارب الستين من العمر قال لى محدثا اتحبين هذه الاثار كما احبها انا... اومأت برأسى نعم ....اجابتى. فتحت باب قلبه ليخرج ولعه وهيامه المكبوت بتلك التحف الفنيه الشامخه فى ضعف،الباقيه فى صمت ، تبادلنا الحديث عن الطرز المعماريه التى تعبر عنها هذه الابنيه والتى نقلها المعمارى المصرى من العصر الرومانى وعصر الباروك ومزجها مع العماره الاسلاميه وكيف استطاع النحات المصرى ان ينحت وجوه رومانيه اسفل الشرفات او اعلى مداخل العمارات ليجعلك واقفا امام لوحه نحتيه جداريه متأملا ... والمشربيات هى الاخرى تقص عليك فى دقتها المنمنمه  كيف كان الحب وحده هو القادر على افراز الصبر اللازم لخرطها وتجميعها باشكال غايه فى الروعه


لم يكن الحديث لينتهى عن الفن القديم بتبدل المشهد من الماضى وما استعرضه لنا من سطوره... الى مشهد الحاضر الذى أطل علينا بتجاوز السياره لحى السلطان ابو العلا  الى الزمالك لترمقنا ابنيته بنظره عابسه الوجه خاليه من الجمال الا احيانا من مسحه باهته تجدها لا تنتمى الى شئ ولاتعبر عن شئ ولاتحدثك عن شئ فالحوار بينها وبينك مقطوع... والتاريخ يلفظها من ذاكرته.
ولكن استمر الحديث يتردد بداخلنا والماضى يرسل استغاثة لنا لنلتفت اليه.