19‏/10‏/2011

استغاثة من زمن الفن

ذهبت حركه السياره المسرعه  بكثير من متعه المشاهده لتلك البيوت المتراصه فى  حى بولاق ابو العلا يفوح منها عبير الماضى المعتق من زمن كان الجمال فيه نبض حى فى العماره. وكأن الفن يسرى فى شرايين الجماد  فتدب الروح فيها فتقص علينا كيف عاش ومات اهل الديار وما كانت عاداتهم وافراحهم واحزانهم


....أتامل هذى الشرفات التى انهارت اجزاء منها واتخيل اهل هذا البيت وهم يجلسون فيها ليلا يتسامرون ويتحدثون و يلفهم الهواء المنعش يحمل نسائم ارسلها لهم جارهم النيل ونفحات مسجد السلطان ابو العلا تضفى على المكان سكينه وهدوء...كيف صار البيت مهجورا الان غير قادر على الوقوف فى وجه جريان الزمن، استندت حوائطه على بيت يجاوره ويبدو ان كلا هما يشد من ازر الاخر لكى يواصل الحياه
 ظللت اتفحصها قدر ما سمحت لى به حركه السياره وكان شيئا ما يجذبنى نحوها ويشعرنى انى انتمى اليها بوجدانى وان هذا  زمنى الذى اضعته بالوثب الى الزمن الذى يليه.... لم انتبه من تاملاتى الا على صوت الرجل الجالس فى السياره بجوارى وقد لاحظ  عينى المعلقه بتلك البيوت الايله للسقوط تصرخ انقذوا انفسكم فسقوطنا يعنى سقوطكم انتم فى هوه التغريب....تحول وجهى نحو الصوت وجدته لرجل اشيب يقارب الستين من العمر قال لى محدثا اتحبين هذه الاثار كما احبها انا... اومأت برأسى نعم ....اجابتى. فتحت باب قلبه ليخرج ولعه وهيامه المكبوت بتلك التحف الفنيه الشامخه فى ضعف،الباقيه فى صمت ، تبادلنا الحديث عن الطرز المعماريه التى تعبر عنها هذه الابنيه والتى نقلها المعمارى المصرى من العصر الرومانى وعصر الباروك ومزجها مع العماره الاسلاميه وكيف استطاع النحات المصرى ان ينحت وجوه رومانيه اسفل الشرفات او اعلى مداخل العمارات ليجعلك واقفا امام لوحه نحتيه جداريه متأملا ... والمشربيات هى الاخرى تقص عليك فى دقتها المنمنمه  كيف كان الحب وحده هو القادر على افراز الصبر اللازم لخرطها وتجميعها باشكال غايه فى الروعه


لم يكن الحديث لينتهى عن الفن القديم بتبدل المشهد من الماضى وما استعرضه لنا من سطوره... الى مشهد الحاضر الذى أطل علينا بتجاوز السياره لحى السلطان ابو العلا  الى الزمالك لترمقنا ابنيته بنظره عابسه الوجه خاليه من الجمال الا احيانا من مسحه باهته تجدها لا تنتمى الى شئ ولاتعبر عن شئ ولاتحدثك عن شئ فالحوار بينها وبينك مقطوع... والتاريخ يلفظها من ذاكرته.
ولكن استمر الحديث يتردد بداخلنا والماضى يرسل استغاثة لنا لنلتفت اليه.

ليست هناك تعليقات: